You are currently viewing التنمية : مفهوم فضفاض أربك فهم المسؤولين وأصحاب السلطة
Image by Free-Photos from Pixabay

التنمية : مفهوم فضفاض أربك فهم المسؤولين وأصحاب السلطة

التنمية من المواضيع الرائجة خلال العقدين الأخيرين في جميع الدول النامية أو ما تعرف بدول العالم الثالث، وأي دولة تعاني من التخلف وضعف مقومات الحياة الأساسية، بالإضافة إلى ضعف اقتصادها المحلي أو ما تصدره للخارج، وهذه الدول هي في الغالب من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وبالرغم من المحاولات المستمرة لتحقيق التنمية في هذه الدول ومساعدة المنظمات الدولية لإنجاح مساعيها ومخططاتها بالدعم والتخطيط وعقد المؤتمرات وإجراء الأبحاث إلا أن نسبة تحقق التنمية ما زال ضئيلاً ولا يبشر بخير.

وقد وضعت الأمم المتحدة 17 هدفاً لتحقيق التنمية المستدامة وتحديد الجوانب الأساسية والهامة لازدهار أي دولة وتحقيق أمنها وأمانها وسبل العيش الكريم لشعبها.

وقد بدأ اهتمامي بالموضوع عندما وقع في يدي كتاب “التنمية الأسئلة الكبرى” للدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي، والذي وضح مفهوم التنمية وكيفية تحقيقها في أربعة أسئلة “لماذا؟ لمن؟ ماذا؟ وكيف ننمي؟”، والذي حقيقةً أسرني لقراءته ورغم أن الكتاب ليس حديثاً فقد صدرت طبعته الأولى في عام 1992، إلا أن الحال لم يتغير كثيراً.

كتاب التنمية الأسئلة الكبرى للدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي

انطلاقاً من هذا الكتاب دعني استعرض التنمية في هذا المقال لنتعرف على مفهوم التنمية وما هي أهميتها ومن المعني بالتنمية وكيف يمكن تحقيقها.

مفهوم التنمية

نقصد بالتنمية تحقيق درجة من التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في دول العالم الثالث، حيث نجحت دول العالم الأول والثاني، في الوصول إليها.

وبالتالي السعي لتحسين مستوى الإنسان في دول العالم الثالث ليكون بنفس مستوى الإنسان في دول العالم الأول، يتمتع بنفس الحقوق ومستوى الدخل والخدمات والدعم والاحترام والتقدير.

وأي تغيير لا يخدم الإنسان اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو ثقافياً هو تغيير لا علاقة له بالتنمية، ولا يسعى لتحقيقها، بل ربما يضر بها ويقف عائقًا في طريق تحقيقها.

وهذا ما لم تفهمه كثير من دول العالم الثالث التي حاولت تقليد كل ما يصل إليها من دول العالم الأول فغيرت من حضارتها وأصولها ومن قيمها وأخلاقها المتوارثة منذ الأزل والتي لا تضر مساعي التنمية إلا في أذهان من يعتقد أن التنمية لن تتحقق إلا بالتخلص من كل ما له علاقة بالماضي.

ومحاولة إنهاء التقاليد والعادات الحضارية وتاريخنا الأصيل الذي لا يتناسب مع الدول المتقدمة ضناً منهم أن ذلك يساعد في اللحاق بهم والوصول للتقدم الحضاري الذي وصلوا إليه.

وغاب عن هؤلاء أن لكل دولة ظروفها وطبيعتها التي تختلف عن غيرها من دول العالم المتقدم وأن ما ينفع في دولة قد لا ينفع في غيرها ولا يتناسب معها من عدة نواحي بيئية وحضارية وثقافية، بالإضافة إلى طبيعة الموارد المتاحة والمتوفرة والتي تحكمها طبيعة الأرض وما تنتج، ومهارات شعوبها ما تصنع.

ويجب أن نعلم أن التنمية لا تعني تغيير لغتنا وأسمائنا وثقافتنا لنجعلها مشابهة للدول المتقدمة، فهذا هو التخلف بعينه ولا يمت للتنمية بصلة، والذي للأسف نجد أنه سيطر على مجتمعاتنا فأصبحنا نتقن الإنجليزية ونعطي لها أهمية بالغة عن لغتنا، وغيرنا من ثيابنا وأثاث منزلنا وطريقة بنائها وتفاصيل حياتنا ونظامها ومناهجنا التعليمية المفصلة حسب ما يُدرس في الدول المتقدم لا بحسب ما نحتاجه فعلا في مجتمعاتنا.

أهمية التنمية

لو تفكرنا حقيقة لماذا ننمي؟ ما الداعي لإثارة كل هذا الاهتمام لتحقيق التنمية وهل هناك فائدة ترجى منها؟

الجواب على هذا السؤال يجعلنا نقارن بين الدول المتقدمة والدول النامية، وكيف تعيش شعوب هذه الدول، فلا يخفى على أي أحد ما يتمتع به الإنسان في الدول المتقدمة وما يعانيه الإنسان في الدول النامية.

والسؤال التالي والذي يفرض نفسه هنا، هو لماذا نريد لمواطن العالم الثالث وضع اِجْتِمَاعِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا وَسِيَاسِيًّا مقاربًا لوضع المواطن في العالم الأول؟

الإجابة ببساطة للحصول على حياة كريمة، لأن التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تُحدثه التنمية كفيل بالحد من التخلف، لأن استمرار التخلف يؤدي إلى استمرار الفقر والذي بدوره لا يوفر مقومات الحياة الكريمة للبشر.

انشغال الناس بقوت يومهم يلهيهم عن ما هو مهم ويشغلهم عن ما يدور من حولهم، فبطن خاوية تضعف أي عقل مبدع.

من المعني بالتنمية؟

لا يختلف اثنان عن أن المعني بالتنمية هو الإنسان، أي مواطني دول العالم الثالث، وبالرغم من أن الإجابة بديهية إلا أن هذا لم يحصل وللأسف.

من المعني بالتنمية
Image by Free-Photos from Pixabay

اعتمدت التنمية في أغلب الدول النامية على المصالح السياسية وعلى ما يراه أصحاب الطبقة الحاكمة وبطانتها، لا على ما يحتاجه المواطن وما هي مصلحته من هذه التنمية.

بمعنى لم تدار التنمية بالحقائق المجردة والأساسية المسلم بأهميتها لضمان العيش الكريم للمواطن الفقير، وإنما لما يقتضيه الحال السياسي للدولة والوضع الاقتصادي للمسؤولين في الحكومة والمحاباة والتقديرات والأحكام الشخصية.

ولو كانت تمت بناء على حقائق صادقة واحتياجات مدروسة لما كان حالنا ما نحن عليه الآن.

ينبغي أن يكون هدف التنمية الأول هو القضاء على الفقر ومعالجة مشاكل التضخم الذي يضيق على الناس حياتهم ويجعلهم يكدحون للحصول فقط على لقمة العيش.

لكن لن يحصل ذلك إلا إذا تم تحديد جوانب التنمية بدقة، ولكن ما يحصل هو أن التنمية لصفوة المجتمع من حكام وسلاطين، أو احتكارها لعواصم المدن دون القرى الفقيرة، أو سيطرة البيروقراطية الفاسدة بحبالها الطويلة على مسار التنمية، مما جعل التنمية من الأحلام التي تراودك فقط في المنام، ولا تأمل بأن يكون لها واقع معاش.

ويرى د. غازي العتيبي أن تحقيق التنمية يتطلب الآتي:

“تتطلب الفلسفة الجدية للتنمية، ضمن ما تتطلبه، ثلاث توجهات رئيسية. تتطلب بادئ ذي بدء، أن يكون إنتاج البضائع واستهلاكها محكوماً بمعيار الصالح العام، وأن يكون لمعيار عدالة التوزيع دوره بجانب معيار كفاءة الإنتاج . وتتطلب في الدرجة الثانية ، وضع استراتيجية واضحة لمقاومة الفقر تتفرع منها سياسات محددة للقضاء على التفاوت البالغ بين الدخول وبين مستويات المعيشة سواء كانت بين الأفراد أو بين الجماعات أو بين المناطق. وتتطلب، أخيراً وليس آخرا، تطور عملية صنع القرار السياسي بحيث تسمح بالمزيد من المشاركة الشعبية وذلك لكي تعكس القرارات الاقتصادية حاجات مختلف القوى الاجتماعية وأولوياتها”.

د.غازي عبد الرحمن القصيبي

كما أوضح أن مقاومة الفقر يتطلب إيجاد فرص عمل للفقراء بدلاً من تشجيع اعتمادهم على الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى تشجيع صغار المزارعين لزيادة إنتاجهم.

كيف تتحقق التنمية

كيف يمكن تحقيق التنمية، إن الإجابة واضحة وبسيطة تبدأ من مهمة واحدة وهي التخطيط.

أسمعك الآن وأنت تقول كم من الخطط عملنا وكان مصيرها أدراج المكاتب، ولم يتحقق شيء، هذا صحيح!

إن كثير من الدول أفرطت في التخطيط وجعلته شامل ومفصل وجامد لا يتفاعل مع المتغيرات المتسارعة إلى الحد الذي أرهق المنفذون أو شعروا بصعوبة التحقيق والفشل قبل البدء.

والبعض الآخر اعتمد على خطط جاهزة تقليداً لدول أخرى، ومفصلة على ظروف لا تتناسب مع ظروف الدولة وتقاليدها ومواردها، وبالتالي إهدار للموارد دون تحقيق المراد.

لكن أفضل أنواع التخطيط هو التخطيط المرن والذين يعتمد على دراسة الوضع وتحديد الأولويات وطرق التنفيذ التي تتناسب مع الدول وحاجتها، بالإضافة إلى ضمان وجود البدائل أو الاستعداد لأي تغيير أو جديد قد يطرأ، فيفرض ضرورة التعديل أو التغيير.

ولهذا نجاح التنمية يكون من نصيب من ترجم أهدافها إلى خطة عملية واقعية مرنة قابلة للتطبيق، وليست شعارات وأحلام وردية وتقليد أعمى.

ما هي نقطة البداية

التعليم هو نقطة البداية، وهي نقطة الانطلاقة، ولعل تأخر التنمية هو لتأخر مستوى التعليم في الدول النامية، وليس لزيادة الأمية فقط وإنما لعدم سلامة أهداف وتوجهات التعليم التي تستهدف احتياجات المجتمع.

فنلاحظ أن مخرجات التعليم لا تلبي احتياجات سوق العمل، ولا متطلباته، وبالتالي كثرة البطالة بأنواعها حقيقية ومبطنة.

يجب إعادة النظر في مخرجات التعليم ودراسة الفجوة بينها وبين سوق العمل، وعدم التسرع في فتح تخصصات جديدة لا تخدم الدول، والتي ليس لديها الإمكانيات والموارد للاستفادة من خريجي المدارس والجامعات.

لا بل المشكلة الكبرى هو في طريقة تلقي التعليم أصلاً في المؤسسات التعليمية، والذي يفتقر للإبداع والابتكار وتنمية المواهب ودعمها وإنما إخراج نسخة مكررة تنتظر طابور الوظائف.

وليس هناك داعي لذكر معاناة المتفوقين والموهوبين في بلدانهم، والذين ما أن يخرج أحدهم خارج بلده ويسافر إلى دولة متقدمة حتى يجد مبتغاه ولا يعود لوطنه حيث ضاع حلمه أو استهزء به، ثم نشتكي من ظاهرة العقول المهاجرة.

الخلاصة

الإنسان هو جوهر التنمية ومحورها وهدفها، ولتحسين مستوى الإنسان في دول العالم الثالث يجب أن تتوجه التنمية لإشباع الحاجات الأساسية للإنسان سواء كانت مادية أو معنوية وذلك من خلال ترجمتها إلى خطة عملية منطقية مرنة قابلة للتطبيق، ونقطة البداية هي التعليم.

Sana Omar

محاضرة مستقلة في إدارة الأعمال ومدربة دولية معتمدة من مركز تنمية أعضاء هيئة التدريس جامعة القاهرة – جامعة ميزوري الأمريكية، ومقيمة معتمدة في تقييم الإبداع الكامن من المركز الدولي للتربية الإبتكارية ICIE – ألمانيا.