You are currently viewing حكايات موظف : أين كوب الشاي ؟
Photo by NON on Unsplash

حكايات موظف : أين كوب الشاي ؟

Spread the love

اخبرتني أنها لم تعد تطيق وظيفتها وترغب بالبحث عن وظيفة أخرى، تعجبت كثيرًا، لأن وظيفتها جيدة وراتبها ممتاز والعمل ليس فيه عبء كبير.

حاولت التحدث معها بعمق لمعرفة السبب وراء ذلك.

تحدثنا كثير في مواضيع العمل وطبيعته ولكن لم أجد مبرر مقنع لتركها له. 

وأثناء الحديث ذكرت لي معاملة زميلتها لها وأنها لا تعرف كيف تتصرف معها. 

فسألتها لماذا؟ 

حكت لي القصة كما يلي: 

“في يوم من الأيام، حدث خلاف بين زميلتي في نفس المكتب ومديرنا، عادت زميلتي وهي تبكي وفي حالة حزن وغضب كبير، حاولت أن أهدئها واخفف من حزنها بكلمات لطيفة.

دائما ما احتفظ بأكياس للشاي والبسكويت في درج مكتبي كتصبيرة في فترة قبل الظهيرة، لذا قمت بإعداد كوبين من الشاي وأحضرت بعض البسكويت وقدمت لها وشربنا الشاي معًا محاولة مني لتغيير المزاج العكر وتلطيف الأجواء.

في اليوم التالي، طلبت مني زميلتي بلطف قائلة هل عندكِ شاي؟ قلت: نعم. فقالت: هل ممكن أن تعدي لي كوبًا فأنا لا أشعر أني بخير؟ 

قلت لها: حالاَ.

في اليوم الثالث، قمت بلطف مني واعددت كوبين من الشاي وقدمت لها وشربنا معا، حتى لا أشعرها بأني لن اقدم لها الشاي إلا إذا طلبت.

في اليوم الرابع، قالت زميلتي هل ستشربين الشاي اليوم؟ قلت لها نعم، فقالت، لا تنسيني في كوب معكِ.

في اليوم الخامس، ذهبت لتوقيع بعض الأوراق من المدير، ولما عدت وجدتها تقول وقد علا صوتها قليلًا، أين كنت قلت لها عند المدير، لماذا؟ فقالت: أين الشاي؟

تعجبت كثيرًا من اسلوبها وشعرت بخليط من مشاعر الإحراج والغضب والإرتباك، ولم أعرف ماذا اقول، وجاء في خاطري أنها قد تكون منزعجة بعض الشيء فهي إنسانة عصبية المزاج، ووجتني أقول لها حسنًا الآن سوف اعده، فقالت بصوت متحكم: بسرعة.

في اليوم التالي، كنت أجهز الاوراق التي طلبها المدير، أستعدادًا لأذهب إلى مكتبه، فقال زميلتي ماذا تفعلين قلت لها سأذهب للمدير، فقالت: أعملي لي الشاي أولًا قبل أن تذهبي. 

شعرت بالغضب من اسلوبها، عاملتني وكأني خادمة لها اعد لها الشاي في كل مرة، ناهيك عن اسلوبها غير اللائق والمهذب، فهي لا تقول إذا سمحتي أو لطفًا أو حتى شكرًا… ولم أرى منها يومًا أن قدمت لي أي شيء.

ولكني صراحة لم ارغب في أن يكون هناك بعض المشاكل أو المشاحنات بيننا على أمور تافهه، فقلت، كبري دماغك، وذهبت اعددت لها شاي وذهبت للمديرمسرعة حتى لا أتاخر عليه.

راجعت العمل والأوراق مع المدير وتأخرنا، ثم عدت لأعد لنفسي الشاي واخرجت بعض البسكويت لأككله نظرت لي بإستغراب وقالت ببجاحه: أعددت شاي لكِ فقط، مش عيب!! لماذا لم تعدي لي كوبًا أيضًا، ثم أنك لم تحضري لي مع الكوب الأول بعض البسكويت.

أشعرتني بأحراج غير عادي من كلامها فقلت لها اعذريني ظننتك لن تشربي شاي بعد كوبك الأول، فقالت: لا سأشرب لا تقلقي.

وهكذا أُجبرت على عمل كوب أخرى لها وأعطيتها بعض البسكويت. 

والآن مهما حاولت التهرب من إعداد كوب الشاي تلاحقني وتطلبه مني بأسلوب غير لائق ودون أي خجل، لم أعد أعرف ماذا أفعل؟

غير أنها ايضًا لا تتحرك من مكتبها وعندما تريد شيء من مكاتب أخرى ترسلني لأذهب وأحضر لها ما يلزمها لإنهاء عملها…”

حقيقة كان كلامها يدل على مدى ضعف الشخصية، وظهر لي بوضوح تام لا يخفى على أحد الشخصية المسيطرة عندما تجد فريستها من الشخصيات الضعيفة لتفرض سيطرتها ستحولها لخادمة بكل سهولة وبموافقة الطرف الآخر الذي لا يقوى على الأعتراض.

قلت: لها بهدوء، من المخطى هنا.

 قالت: زميلتي طبعًا.

قلت لها: متأكدة

قالت: أكيد فأسلوبها غير صحيح. 

تفاجأت فعلا من ردها.

قلت: من سمح لها بهذا الخطأ والتمادي؟ 

قالت: في الحقيقة أنا… لكن ماذا عسي أن أفعل، لم نتربى على البخل إذا طلب أحد منا شيء لابد أن نكرمه.

قلت لها وهل المشكلة هنا مشكلة كرم وبخل أم هي مشكلة استغلال، سوء تعامل، فرض سيطرة وتحكم؟ هل مشاعر الغضب والضيق التي تنتابكِ عند طلبها للشاي هي بسبب خسارتكِ لقيمة الشاي والبسكويت أم بسبب طريقتها في الطلب وتماديها فيه؟

قالت: نعم فهمت، بالتأكيد أسلوبها خاطئ وهو الذي يضايقني؟ 

قلت: هل لو فكرنا في عمق شعورك وبصدق هل هذا هو سبب رغبتك في ترك العمل؟

قالت: في الحقيقة ربما ولأني بدأت اضيق من طلباتها ووجودها في المكتب، واشعر بالسعادة عندما تغيب لأي سبب، وفي وقت فراغي أذهب لزملائي في المكاتب المجاورة تجنبًا للجلوس معها، لأنها دائمًا ما تحملني بعض الأعمال الخاصة بها.

قلت: إذن أنتِ ترغبين بإنهاء مسيرتك المهني في شركة ممتازة وبيئة عمل ملائمة بسبب شخص واحد يسبب لكِ بعض الإزعاج.

علا صوتها وقالت: بعض الإزعاج، أنها سبب إزعاج كل الشركة والكل لا يطيقها وهل تُصدقي أن ليس لها صديقة سواي فالكل لا يتحمل التعامل معها.

قلت لها: أتوقع ذلك… لذا يجب أن تجدي حل سريع للتخلص من سيطرتها عليكِ سواء في كوب الشاي أو غيره من الأعمال.

قلت: كيف؟

قلت لها: ببساطة تعلمي قول “لا” دون إحراج أو تأنيب ضمير لكل ما يؤذيكِ، وفرقي بين المفاهيم.. فالأخلاق التي تربينا عليها، لا تعني السماح بالإستغلال لطيبتك كونها نقطة ضعف، ويمكن لأي أحد أن يدخل من هذا الباب ليشعركِ بأنكِ إن لم تقومي بما يرضيه فإنكِ تخالفين الأخلاق النبيل التي تربيتي عليها. أعيدي رسم الحدود في هذه العلاقة، لتوضيح المسار الصحيح لها، وقومي بذلك بكل لطف وهدوء، دون أن تثير ضجه أو مشاكل.

يمكنني أن اخبركِ بعض الأعذار والمبرارات مثل:

  • لما لا نشرب شاي من صنع يدك اليوم؟
  • لم أحضر شاي معي اليوم؟
  • ليس لي مزاج لشرب شاي، يمكنك أن تعدي لنفسك؟
  • انا في ضغط عمل ليس لدي وقت لإعداد الشاي في الوقت الحالي؟

لكن هذا حل مؤقت لن ينهي الموضوع وقد يحرمك من شرب الشاي في سبيل عدم رغبتك في إعداد الشاي لها.

لذا الأفضل هو حل المشكلة من جذورها، والمواجهه قد تضعك في وضع محرج ولكن قد تقدم حل نهائي، والعجيب أن نُحرج من الحق وأن لا يحرج الطرف الأخر من أفعاله وتصرفاته والتي من دون شك يعلم أنها خاطئة. 

اخبريها أن اسلوبها غير مقبول في الطلب، وإنها يمكنها أن تحضر الشاي الخاص بها وتعد لنفسها بكل هدوء وصراحة.

Sana Omar

محاضرة مستقلة في إدارة الأعمال ومدربة دولية معتمدة من مركز تنمية أعضاء هيئة التدريس جامعة القاهرة – جامعة ميزوري الأمريكية، ومقيمة معتمدة في تقييم الإبداع الكامن من المركز الدولي للتربية الإبتكارية ICIE – ألمانيا.