قد يكون من الصدف الجميلة أن أحضر هذه الفترة دورات متعلقة بالتفكير والابتكار، وأن أقرأ كتاب (القرآن نسخة شخصية) من روائع الدكتور أحمد خيري العمري والذي عهدناه بكتابته المميزة ونكهات عصرية تلامس القلب وتخاطب العقل.
كان وصولي ليوم الجمعة لقراءة نسخته الشخصية في سورة الكهف، لأرى ملاحظته الفريدة في ربط مراحل والقصص التي ذكرت في السورة بمراحل توليد الفكرة وإنتاجها وإخرجها للواقع لتواجه بها الآخرون بكل ثقة.
أربع قصص تمثل أربع مراحل لإبراز مشروعك (فتية الكهف، وصاحب الجنتين، وموسى والعبد الصالح، وذو القرنين)، يا ترى في أي مرحلة أنت؟
المحتويات
قصة أصحاب الكهف
بدءً بقصة أصحاب الكهف عند بزوغ الفكرة، الفكرة هنا تكون عبارة عن بصيرة شيء تشعر أنه بحاجة للتغيير، ثم يكبر معك حد الإقتناع لتعرضه على المحيطين بك لكن لا يقبلها أحد.
تحاول الاحتفاظ بها وحمايتها واعتبرها مرحلة الحضانة للفكرة بعد أن لاقت من الاستنكار والاستهزاء والسخرية الكثير من المحيطين.
تذهب بفكرتك لكهفك لتكونها وتدرسها وتعيد تشكيلها حتى تصبح جاهزة للخروج مجدداً، فليس الهدف من الكهف النوم كما هو ظاهر من القصة إنما ذهب الفتية للكهف لاعتزال الفتنة، وطلبوا الرشاد من الله.
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
قصة صاحب الجنتين
بعدها تبدأ قصة صاحب الجنتين وهي مرحلة ما بعد الكهف، مرحلة جاهزية الفكرة للمواجهة ومقابلة الأفكار المضادة ومع غرور المتكبرين والمغترين بأنفسهم رافضي التغيير، والنظر إلى الفكرة النقيضة ومحاولة شرح فكرتك وما توصلت إليه عسى ولعلهم يقبلونها.
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)
قصة موسى والرجل الصالح
وكل فكرة لا بد لها من أن تمر بمرحلة التطبيق وهي المرحلة التي تريد أن تتأكد بنفسك من أنك على حق وأن فكرتك ستتحول إلى مشروع ناجح بعد التجربة، والخروج من الإطار النظري والمثالي إلى الواقع العملي، فتأتي قصة سيدنا موسى والرجل الصالح وتسير بمراحل أثناء التطبيق مع خبراء متخصصين لوضع الفكرة أو المشروع النهائي.
أو تجد الدعم والإنصاف، بالإضافة إلى التعديل عليها فكل فكرة بعد خروجها تواجه العقبات والمشاكل ومن ثم ينبغي العمل على تعديلها، وليس تغيير الهدف أو الفكرة الأساسية.
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
قصة ذو القرنين
ولأن كل مشروع تنفيذه النهائي يحتاج إلى قائد مثل ذي القرنين ليضع لبنات المشروع ونهايته ليصبح واقعا على الأرض، والأخذ بالأسباب اللازمة للنجاح في التنفيذ كان أساساً في كل مراحل المشروع لذي القرنين، كما ينبغي ذلك لكل مشروع.
كما أن بداخل كل مرحلة كهف ينبغي الرجوع إليه يتم فيه التعديل والتصويب، عزلة ترجع إليها ولتقييم أعمال فكرتك.
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83)
راجع حياتك في أي مرحلة أنت
- داخل الكهف: ألا زلت في الكهف أم لا تعرف أنك هنا؟ أم خرجت مبكراً واصطدمت بالواقع؟ أم تخاف الخروج وألفت أمانك وراحتك هناك؟ هل اعتبرت الكهف مكاناً للنوم أم عزلة للخروج منه بأحسن ما لديك؟
- مرحلة صاحب الجنتين: متى تعرفت على أفكار معارضة لأفكارك ومعتقداتك وقارنتها بأفكارك ودرستها؟
- مرحلة موسى والرجل الصالح: هل مررت بمرحلة موسى مرحلة التعلم والتجريب؟ مرحلة الصدمات التي حزنت وغضبت فيها واعتبرتها أسوأ الأحداث في حياتك وتفاجأت بأنها كانت أفضل أيام حياتك؟
- أم أنك في مرحلة ذي القرنين: أتمنى أن تكون في هذه المرحلة ، حافظ عليها بالمراجعة والتقويم الدائم والتطوير.
ما أروع القرآن الكريم ودروسه والجواهر المخبأة في مكنوناته، فلا تظهر إلا لمن تدبر فيه.
وما أروعك يا أحمد العمري.