You are currently viewing نظرية التعلم التجريبي لكولب: كيف يتعلم البالغون بشكل أفضل؟

نظرية التعلم التجريبي لكولب: كيف يتعلم البالغون بشكل أفضل؟

أصبح التعلم المستمر مهارة أساسية للنجاح. لكن كيف يتعلم البالغون بأفضل طريقة؟

قدم عالم النفس ديفيد كولب (David Kolb) نموذجًا يسمى “دورة التعلم التجريبي” (Kolb’s Experiential Learning Cycle)، وهو يوضح كيف يكتسب الأفراد المعرفة من خلال التجربة المباشرة.

يعتمد هذا النموذج على أربع مراحل مترابطة، حيث يمر المتعلم بها لاكتساب الفهم والمهارات بطريقة فعالة وعملية.

المراحل الأربع لدورة التعلم التجريبي

1. التجربة العينية (Concrete Experience) – التعلم من خلال الممارسة

هذه المرحلة تعتمد على خوض التجربة بشكل مباشر، حيث يتفاعل المتعلم مع الموقف بطريقة عملية بدلاً من مجرد القراءة أو الاستماع.

قد تكون هذه التجربة جديدة تمامًا أو إعادة لخوض تجربة سابقة بوعي جديد.

مثال عملي:

تخيل أنك تريد تعلم مهارة التحدث أمام الجمهور. في هذه المرحلة، تقوم بإلقاء خطاب أمام مجموعة صغيرة من زملائك، بغض النظر عن مدى نجاحك في البداية. الهدف هنا هو خوض التجربة والشعور بها.

2. الملاحظة والتأمل (Reflective Observation) – مراجعة التجربة وتحليلها

بعد خوض التجربة، يأتي دور التفكير والتأمل. في هذه المرحلة، يسأل المتعلم نفسه:

ما الذي سار بشكل جيد في التجربة؟

ما هي التحديات التي واجهتها؟

كيف كان رد فعل الآخرين؟

مثال عملي:

بعد إلقاء خطابك الأول، تلاحظ أنك كنت متوتراً، ولم تكن نبرة صوتك واضحة بما يكفي. تشاهد تسجيلًا للخطاب أو تستمع إلى ملاحظات زملائك لتحليل أدائك وتحديد نقاط القوة والضعف.

3. التجريد والتصور النظري (Abstract Conceptualization) – تحويل التجربة إلى نظريات

في هذه المرحلة، يبدأ المتعلم في استخلاص الدروس من التجربة وربطها بنظريات أو مبادئ تساعده على الفهم بشكل أعمق. يتم تحليل الأخطاء وتحويلها إلى قواعد تساعد في التحسين المستقبلي.

مثال عملي:

بعد تحليل تجربتك في التحدث أمام الجمهور، تقرأ عن تقنيات تحسين الخطابة، مثل استخدام لغة الجسد، التحكم في نبرة الصوت، والتواصل البصري مع الجمهور. تبدأ في إدراك أن التحدث بثقة يحتاج إلى مزيج من التدريب والتحضير الجيد.

4. التجريب النشط (Active Experimentation) – تطبيق ما تعلمته في مواقف جديدة

هذه هي مرحلة تطبيق المعرفة الجديدة في الواقع. يبدأ المتعلم في تجربة الأساليب المختلفة وتعديلها بناءً على ما تعلمه. الهدف هو تحسين الأداء عبر التكرار والتطوير المستمر.

مثال عملي:

تقرر تطبيق التقنيات التي تعلمتها في خطابك التالي. هذه المرة، تستخدم لغة الجسد بشكل أفضل، وتتحكم في نبرة صوتك، وتشعر بمزيد من الثقة. بعد إلقاء الخطاب، تلاحظ تحسنًا واضحًا وتستمر في تطوير مهاراتك.

لماذا يعتبر هذا النموذج فعالًا في تعليم البالغين؟

  • يعتمد على التعلم العملي: البالغون يتعلمون بشكل أفضل عندما يطبقون المعرفة بدلاً من تلقيها نظريًا فقط.
  • يشجع على التفكير النقدي: يساعد في تحليل التجارب والتعلم من الأخطاء.
  • يربط التعلم بالحياة الواقعية: يجعل التعلم أكثر ارتباطًا بالتجارب الشخصية والمهنية.
  • يوفر فرصة للتحسين المستمر: التعلم لا يتوقف عند اكتساب المعرفة، بل يستمر من خلال التجربة والتطبيق.

تطبيقات نموذج كولب في الحياة العملية في بيئة العمل

  • يمكن تطبيقه في برامج التدريب المهني، حيث يتم تدريب الموظفين من خلال محاكاة التجارب الفعلية بدلاً من الاكتفاء بالمحاضرات النظرية.
  • في التعليم: يمكن للمعلمين استخدام هذا النموذج لجعل الدروس أكثر تفاعلية، مثل التعلم القائم على المشاريع والتجارب العملية.
  • في تطوير المهارات الشخصية: يمكن استخدامه لتطوير مهارات مثل القيادة، إدارة الوقت، أو حل المشكلات من خلال التجربة والتأمل والتعديل المستمر.

الخلاصة

التعلم الفعال لا يحدث بمجرد قراءة كتاب أو حضور دورة تدريبية، بل يتطلب التجربة، والتأمل، والتعلم من الأخطاء، ثم التطبيق في مواقف جديدة. من خلال فهم دورة التعلم التجريبي لكولب، يمكننا تحسين أساليب التعلم لدينا والاستفادة القصوى من تجاربنا. لذا، لا تخف من خوض تجارب جديدة، فكل تجربة هي خطوة نحو التعلم والنمو.

د. سناء عمر عبد الجبار

دكتوراه في إدارة الموارد البشرية، محاضرة ومدربة دولية معتمدة، خبرة أكثر من 15 عامًا في مجال التعلم والتطوير شغوفه بتطوير المواهب وعضو في جمعية تطوير المواهب ATD

اترك رد