You are currently viewing فن اكتشاف الذات: كيف تعرف من أنت بمعرفة من لست أنت

فن اكتشاف الذات: كيف تعرف من أنت بمعرفة من لست أنت

أصبح العالم مزدحم بالضوضاء، بالخيارات، وبالتوقعات الخارجية، قد يبدو اكتشاف ذاتك الحقيقية مهمة شاقة.

نحن نرتدي أقنعة كثيرة كل يوم—قناع العمل، قناع العلاقات، قناع المجتمع—وكل قناع منها يضيف طبقة من الغموض على من نكون فعلاً.

لكن ماذا لو لم تكن الرحلة نحو الذات تتطلب إضافة المزيد، بل التخلص من الزائد؟

قوة الحذف والاختيار

في اقتباس بليغ، يقول الممثل والكاتب ماثيو ماكونهي:

“تخلّص من الزائد، قلّل خياراتك، وستجد أمامك، دون قصد، ما هو مهم بالنسبة لك، من خلال عملية الإقصاء.”


هذا الاقتباس يُلقي الضوء على حقيقة مفاجئة: الوضوح لا يأتي بالضرورة من المزيد، بل من القليل.
ليس من خلال السعي المستمر لإضافة أهداف أو مهارات أو أدوار جديدة، بل من خلال شجاعة التخلّي عمّا لا يخدمك، ولا يشبهك، ولا يُشعلك من الداخل.

من لست أنت؟

معرفة “من لست أنت” تعني أن تعترف:

  • أن بعض الأهداف التي تسعى خلفها ليست أهدافك بل أهداف الآخرين.
  • أن بعض العادات التي تمارسها لا تعبّر عنك، بل عن الخوف أو الاعتياد.
  • أن بعض الهويات التي تقوم بها هي لأجل رضا الآخرين، لا رضاك الداخلي.

هذه ليست رحلة سهلة. بل تحتاج إلى صدق داخلي، وشجاعة عاطفية. أحيانًا تتطلب أن تنسحب من بيئة لم تعد تناسبك، أو تتخلى عن مسار وظيفي لا يشبه قيمك، أو تعيد التفكير في أفكار قديمة ترسّخت ولم تعد تعبّر عنك.

المساحة التي تكشف حقيقتك

عندما تزيل ما لا يُشبهك، تخلق مساحة.
وفي تلك المساحة، تظهر أولوياتك الحقيقية: ما يُفرحك، ما يمنحك الطاقة، ما يُشعرك بالمعنى. دون ضجيج. دون صراع.

الوضوح لا يأتي دفعة واحدة. بل هو رحلة اكتشاف مستمرة—رحلة تقشّر فيها طبقاتك الزائفة حتى تصل إلى جوهرك الصافي.

اسأل نفسك بصدق

إذا كنت في مرحلة حيرة أو إعادة توجيه، اسأل نفسك:

  • ما الذي أفعله بدافع العادة وليس الشغف؟
  • أين أشعر أنني غير حقيقي أو غير مرتاح؟
  • ما الأدوار أو الصفات التي أثقل بها نفسي ولا تعبّر عني؟

أجب بصدق، وابدأ بخطوات بسيطة نحو ما يُشبهك. لا تبحث عن “نسخة جديدة” منك، بل عد إلى نفسك الأصلية.

الخلاصة

اكتشاف الذات لا يعني أن تصبح شخصًا جديدًا.
بل أن تتذكّر من كنت دائمًا، ولكنك نسيته تحت طبقات من الضجيج والتوقعات.
إنه ليس سعيًا خارجيًا، بل رحلة داخلية عنوانها: أنا أزيل ما لا يُشبهني، لأُضيء ما أنا عليه حقًا.

د. سناء عمر عبد الجبار

دكتوراه في إدارة الموارد البشرية، محاضرة ومدربة دولية معتمدة، خبرة أكثر من 15 عامًا في مجال التعلم والتطوير شغوفه بتطوير المواهب وعضو في جمعية تطوير المواهب ATD

اترك رد