You are currently viewing الاستغلال في سوق العمل: عندما يصبح فرق العملة ذريعة لخفض الأجور

الاستغلال في سوق العمل: عندما يصبح فرق العملة ذريعة لخفض الأجور

مع ظهور العولمة وتداخل الأسواق، أصبحنا نشهد نمطًا متزايدًا من الاستغلال المباشر للموظفين، خاصة في الدول التي تمتلك عملات أضعف مقارنة بالأسواق العالمية الكبرى.

يتمثل هذا الاستغلال في اعتبار بعض الأسواق مجرد “مكاتب تكلفة” (Cost Offices)، أي أنها لا تُعامل كمراكز ربح (Profit Centers) رغم أن موظفيها يلعبون دورًا رئيسيًا في نجاح الشركات على المستوى العالمي.

كيف يحدث هذا الاستغلال؟

تعتمد بعض الشركات متعددة الجنسيات على فرق العملة لتقليل تكاليف التشغيل، حيث تقوم بتوظيف فرق عمل في دول ذات عملة ضعيفة وتدفع لهم رواتب منخفضة مقارنة بنظرائهم في الأسواق الأقوى، رغم أنهم يقومون بنفس المهام أو حتى أكثر.

المبرر الأساسي لهذا النهج هو أن تكاليف المعيشة أقل، ولكن الواقع مختلف تمامًا، لأن هذه الشركات غالبًا ما تحقق أرباحًا ضخمة بفضل جهود هؤلاء الموظفين، ومع ذلك لا تعيد توزيع هذه الأرباح بعدالة.

أمثلة على هذا الاستغلال

1. صناعة التكنولوجيا والخدمات المشتركة

في قطاع التكنولوجيا، تقوم شركات كبرى بإنشاء مراكز دعم فني أو تطوير برمجيات في دول مثل الهند، الفلبين، ومصر، حيث يحصل الموظفون على رواتب أقل بكثير من نظرائهم في الولايات المتحدة أو أوروبا، رغم أنهم يقومون بنفس العمل. ومع ذلك، تبيع الشركة خدماتها بسعر السوق العالمي، مما يحقق لها هامش ربح ضخم بسبب فرق الرواتب.

2. قطاع مراكز الاتصال (Call Centers)

تستعين الكثير من الشركات الكبرى بفرق خدمة العملاء في دول مثل المغرب، المكسيك، وجنوب شرق آسيا، وتدفع لهم جزءًا بسيطًا مما قد تدفعه لموظفي خدمة العملاء في أوروبا أو أمريكا الشمالية، رغم أن الخدمة المقدمة تكون بنفس الجودة، وأحيانًا بجودة أعلى بسبب تعدد اللغات والخبرات.

3. التسويق الرقمي والعمل عن بُعد

الكثير من الشركات الناشئة تستعين بمصممين، مسوّقين رقميين، وكُتّاب محتوى من دول مثل مصر، باكستان، وأوكرانيا بأسعار زهيدة مقارنةً بمعدلات السوق في الدول الغربية.

على الرغم من أن هذه الشركات تحقق ملايين الدولارات سنويًا، إلا أن رواتب موظفيها البعيدين تظل منخفضة جدًا مقارنةً بالقيمة التي يضيفونها.

لماذا يعتبر هذا استغلالًا؟

  • فرق العملة ليس معيارًا للجودة – الموظف الذي يعمل في دولة ذات اقتصاد أضعف لا يعني أنه أقل كفاءة أو إنتاجية.

  • القيمة الحقيقية للعمل لا تتغير – إذا كان العمل يحقق نفس الإيرادات للشركة، فيجب أن يحصل الموظف على تعويض عادل.
  • غياب العدالة في توزيع الأرباح – الشركات تستفيد من فرق العملة دون أن تعيد توزيع الأرباح بطريقة منصفة على الموظفين.

كيف يمكن مواجهة هذا الاستغلال؟

  • التفاوض على الرواتب بناءً على القيمة وليس الموقع الجغرافي.

  • تعزيز ثقافة الشفافية في الرواتب والمزايا.
  • دعم قوانين تُلزم الشركات بدفع أجور عادلة بناءً على معايير السوق العالمية.
  • خلق فرص عمل محلية عادلة لتقليل الاعتماد على الشركات متعددة الجنسيات.

الخلاصة

أصبح هذا النوع من الاستغلال أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة، حيث بات الموظفون في الأسواق الناشئة يدركون الفجوة الكبيرة في الأجور مقارنة بنظرائهم في الدول المتقدمة. ومع تزايد وعي العمال بحقوقهم، بدأت بعض الشركات في مراجعة سياساتها، لكن الطريق لا يزال طويلًا لضمان عدالة أكبر في توزيع الأرباح وتحقيق مبدأ المساواة بين العاملين بغض النظر عن مكان إقامتهم.

د. سناء عمر عبد الجبار

دكتوراه في إدارة الموارد البشرية، محاضرة ومدربة دولية معتمدة، خبرة أكثر من 15 عامًا في مجال التعلم والتطوير شغوفه بتطوير المواهب وعضو في جمعية تطوير المواهب ATD

اترك رد