يحكى أن جراحاً كان يعمل في تقطيب الجروح الخاصة بالعمليات بعد أن ينتهي الطبيب المتخصص من إجراء العملية للمريض، وقد كان غاية في البراعة بحيث يقطب الجُرح بطريقة تجميلية تخفي الكثير من أثره، وتخفف من أي منظر تشويهي الذي يظهر غالباً بعد إجراء أي عملية.
كان يُدعى في أغلب العمليات، لخبرته وحرفيته في العمل، بحيث يثق فيه أغلب الجراحين، ويشعرون بالاطمئنان عندما يكون هو من سينهي العملية بتقطيب الجرح.
لكن هذا الطبيب رغم براعته وخبرته وحرفيته فيما يعمل إلا أنه كان يشعر بعدم الرضا عن عمله، وكان دائم الشكوى من أن عمله هذا ليس بشيء، خاصة عندما كان زملاؤه في المستشفى من الأطباء الكبار والجراحين يتندرون عليه بأن كل واحدٍ منهم يعالج الكثير من الأمراض المستعصية كأمراض القلب والسرطان والأعصاب والعظام والأمراض العضوية الأخرى، أما هو فلا يعمل شيئا سواء تقطيب شق بسيط لا يتعدى 2 ملي.
كان يشعر أن دوره صغير في هذه الدنيا، وأن عليه أن يقوم بعمل خارق كبير، ليس الدور الذي يقوم به وكأنه خياط يرقع شقاً في قماش، كان غير راضٍ بما يعمل، بجانب ما يقوم به زملاؤه الأطباء.
في ذات يوم، بعد انتهاء العمل ومغادرته للمستشفى، التقى بصديق له والذي كان مجهدًا بشدة من كثرة العمل والمتابعات للمرضى، أراد أن يهون من استياء زميله نحو العمل بكلمات بسيطة قائلاً “لا بأس بعد كل جهد راحة”، لكن زميله رد بسخرية “ماذا تعرف أنت عن هذا العمل، فما عليك سوء ترقيع الجروح، ونحن نقوم بالمهمة الأصعب“.
كان الكلام قاسياً عليه، وشعر أنه لا بد من أن يقوم بتغيير عمله، ولن يعود له على الإطلاق، وقرر ترك العمل من صباح اليوم الثاني، وعقد العزم على تقديم استقالته فهو لا يفخر بعمل كهذا.
عاد إلى البيت، وحاول النوم ولكن لم يستطع، كانت أفكاره كلها تدور حول ماذا يمكن أن يعمل إذا ترك عمله، ماذا يتقن غير عمله كجراح متخصص في تقطيب جروح العمليات، وعاد ليفكر ما هي رسالته في هذه الحياة؟ لماذا هو هنا؟ وما الغرض من وجوده؟ لكنه لم يصل لشيء حتى غلبه النعاس.
في نومه حلم بحلم غريب، رأى صف طويل من الناس يقفون ينتظرون دورهم، وفي كل مرة يتزايد عدد الناس المنضمين للصف ويقفون بانتظار دورهم في هذا الصف بانتظام، ذهب بدوره ليقف مع الجميع في هذا الصف.
عندما أقترب دوره رأي أن ملكاً كلفه الله بتوزيع حصصهم من العمل في هذه الدنيا وكل واحد يأخذ حصته ونصيبه، فكان يرى الذين سبقوه، منهم من أخذ 20 فداناً، ومنهم من أخذ 3 فدادين، ومنهم من أخذ متراً واحداً، كان يتعجب من تفاوت نصيب كل واحد منهم، كانوا يأخذون نصيبهم ويغادرون في رضا تام.
عندما جاء دوره كان ينتظر بشوق ليعرف كمْ سيكون نصيبه من العمل في الدنيا، أعطاه الملك صكًا بـ 2 ملي فقط!!
وقف مصدوماً مما رأى، 2 ملي فقط!
الناس تأخذ بالفدادين وأنا 2 ملي!
استيقظ على صوت المنبه، ليحين موعد استعداده للذهاب للمستشفى، فهناك عدة عمليات بانتظار أن يقطب جروح أصحابها.
ذهب إلى المستشفى وأخذ يستعد بتغيير ملابسه وعمل الإجراءات والتعقيمات اللازمة ليدخل غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية سيشارك فيها الطبيب المختص.
عندما انتهى الطبيب المعالج من عمله، وبدأ هو بتقطيب الجرح كان مقاس اتساع الجرح 2 ملي.
وفجأة تذكر حلم الليلة الماضية، كان مصدوماً ومتعجباً، اتضح له الأمر وقتها وفهم مغزى ورسالة حياته.
نعم قد يكون عملك صغيرًا بحجم 2 ملي لكن شأنه كبير، لم يكن أحدًا من الجراحين إلا ويتسابقون ليكون معهم في أي جراحة يقومون بها، لبراعته في العمل، وقدرته على إحكام تقطيب الجراح بطريقة لا يمكن أن تنفتح ولا يصيبها مخاطر نتيجة سوء الخياطة.
لقد أدرك دوره في الحياة ورسالته، ليس من الضروري أن تقوم بالأعمال العظيمة والمنجزات الخارقة، لأن عمله هذا هو عمل عظيم لا يُستغنى عنه، ولا يمكن إجراء عملية دون هذا الدور، وإلا فقد يفقد المريض حياته.
الهدف من هذه القصة هو أن الكثير منا يبحث عن رسالته في الحياة بعيداً عن ما يقوم به، ولا ضير في ذلك إن كان بمقدوره أن يوفق بين الاثنين، عمله ورسالة أخرى يرغب بها ويعلمها جيداً، فالعمل مهم لكسب الرزق، والرسالة مهمة لكسب القيمة الحقيقة في الحياة.
لكن يجب أن يقدر المرء قيمة ما يعمل ويحبه ويسعى للإتقان فيه، فالله ينظر لأعمالنا جميعاً بنظرة العدل، وقد مكن لكل واحدٍ منا حسب قدرته وطاقته في التحمل.
أنت عظيم في ما تعمل إن كان في صالح الخير والبشر والأرض التي جعلنا الله خلفاء فيها، مهما كان العمل صغيراً في نظر الغير، فهو كبير في نظر الله.
المصدر
من كتاب الرقص مع الحياة بتصرف