You are currently viewing متلازمة المركز الثاني: ظلال الفوز والخسارة

متلازمة المركز الثاني: ظلال الفوز والخسارة

أمضيتُ أمسيتي غارقة في مشاهدة فيلم Arthur the King 2024 رحلةٌ لم تأخذني إلى مملكة كاميلوت الأسطورية، بل غاصت بي في مغامرةٍ مؤثرة مستوحاة من قصةٍ حقيقية.

يروي الفيلم قصة “مايكل لايت”، متسابق المغامرات، الذي يقود فريقه في تحدٍّ قاسٍ يمتدّ لمسافة 435 ميلاً عبر جمهورية الدومينيكان. تأتي هذه المشاركة بعد ثلاث سنوات من خسارةٍ مُرّة حفرتْ خندقًا عميقًا من الاكتئاب وجلد الذات في روحه.

يُجسّدُ “مايكل” نموذجًا صريحًا لِمَن يعانون من “متلازمة المركز الثاني“، ذلك الشعورُ الدائمُ بعدم الرضا عن الذاتِ، حتى مع تحقيقِ إنجازاتٍ ملحوظة. يُلاحقُهُ شبحُ الخسارةِ السابقةِ في سباقٍ سابقٍ، مُثقلًا كاهلهُ بِثقلِ التوقعاتِ العاليةِ وإرادةِ تعويضِ الفشلِ.

يندفع مايكل، بِعزيمةٍ لا تلين، لتجربةٍ جديدة مع فريقٍ أختاره بعنايةٍ فائقة، عاقدًا العزم على تحقيق نصرٍ ساحقٍ يُمحو مرارة الهزيمة السابقة.

خلال رحلة التحضير، يلتقي مايكل بِكلبٍ ضالٍ يُطلق عليه اسم “آرثر”. تنشأ بينهما رابطةٌ قويةٌ تُثري تجربة الفيلم بِموضوعاتٍ عميقةٍ عن الصداقة، والتغلب على التحديات، وجمالِ العلاقة بين الإنسان والحيوان. ينضمّ آرثر إلى الفريق، ليصبحَ جزءًا لا يتجزأ من رحلتهم، ودعامةً أساسيةً في مسارهم.

وبفضل حسه الحيوانيّ الفريد، يُساعدهم آرثر على تجنّب المخاطر، ويهديهم الطريق الأقصر، ليصلوا إلى قرب خط النهاية بفارقٍ زمنيٍّ كبيرٍ عن باقي الفرق.

ولكن، تأتي الرياحُ بما لا تهواه السفن، ففي لحظةٍ حاسمة، يُصبحُ آرثر سببًا لهزيمة الفريق وحصولهم على المركز الثاني. فبينما كان المتسابقون يعبرون النهر، يغرقُ الكلبُ المسكين، ولا يتوانى مايكل عن إنقاذه، مُضحّيًا بِفرصة الفوز. ويتأخرُ الفريقُ عن الوصول إلى خط النهاية، بينما يسبقهم الفريقُ الآخر بدقائق قليلة.

يبدو وكأنّ كلّ جهود مايكل لِتعويض خسارته السابقة قد ذهبتْ هباءً بسبب هذا الكلب. ولكن، سرعان ما يُدركُ مايكل أنّ مشاعر الامتنان والصداقة التي زرعها آرثر في قلبه تُنسيه كلّ ما جاء لأجله. تتحوّلُ الرحلةُ إلى رحلةٍ لِإدراكِ أنّ المراكز ليست ذات قيمة، وأنّ الإنجاز الحقيقي يكمن في رحلةِ النضالِ والسعي، وفي قيمة الأعمال الإنسانية النبيلة.

يُقدّم “آرثر الملك” تجربةً سينمائيةً مُؤثّرة تُلامسُ القلوب، وتُذكّرنا بِقيمٍ إنسانيةٍ سامية، مثل الصداقة، والتضحية، وأهمية الاستمتاع برحلة الحياة، بعيدًا عن هاجسِ الفوز والخسارة.

في خضمّ هذهِ الأحداثِ، نُدركُ أنّ “مايكل” لا يُعاني من نقصٍ في الكفاءةِ أو القدرةِ، بل من صراعٍ داخليٍّ مع مشاعرِ عدمِ الاستحقاقِ والخوفِ من الفشلِ. يُقارنُ نفسهُ باستمرارٍ بالآخرين، ويُسعى جاهدًا لإثباتِ جدارتهِ، مُهملاً سعادتهُ الشخصيةِ وراحتهُ.

وهذا درس قيّم حول مخاطرِ السعيِ الدائمِ وراء الإنجازِ والتفوقِ على الآخرين. يُذكّرنا بأنّ السعادةَ الحقيقيةَ لا تكمنُ في الوصولِ إلى المركزِ الأولِ، بل في الاستمتاعِ برحلةِ الحياةِ، وتقديرِ الإنجازاتِ مهما كانت صغيرةً، والتركيزِ على تطويرِ الذاتِ بدلاً من المقارنةِ مع الآخرين.

في ختامِ رحلةِ “مايكل” مع “آرثر الملك”، نُدركُ أنّ “متلازمة المركز الثاني” ليست قدرًا محتومًا، بل حالةٌ قابلةٌ للتغييرِ من خلالِ تغييرِ طريقةِ التفكيرِ والتركيزِ على قيمِ الحياةِ الحقيقيةِ.

فهل أنتَ مُستعدٌّ للتخلّصِ من قيودِ هذهِ المتلازمةِ والعيشِ بسعادةٍ ورضا؟

د. سناء عمر عبد الجبار

دكتوراه في إدارة الموارد البشرية، محاضرة ومدربة دولية معتمدة، خبرة أكثر من 15 عامًا في مجال التعلم والتطوير شغوفه بتطوير المواهب وعضو في جمعية تطوير المواهب ATD

اترك رد