إن التطور في الفكر الإداري غير من المفاهيم الإدارية التي كانت تمارس فيما مضى، فبعد أن كانت مدرسة الإدارة العلمية تدعو إلى التخصص في العمل وتقسيم العمل إلى مهام صغيرة تنفذ من قبل عمالة متخصصة في تنفيذ هذه المهام، وبالتالي فهنا نحقق بعض المميزات من حيث السرعة في إنجاز المهمة والإتقان نظراً لتكرار عملها بشكل روتني.
لم تعد هذه الأساليب القديمة مجدية بل قتلت الإبداع وخلقت الملل والرتابة لكونها تنظر للموظف كألة أو ترس يعمل في منظومة إنتاجية هادفة لتضخيم الإنتاج وزيادة المبيعات وتحقيق الربح.
ولم يعد هذا هو نهج الشركات والمنظمات في العصر الحديث بل تغيير بظهور مفاهيم جديدة تراعي وتقدر السلوك الإنساني والاتجاه الحديث للحياة العصرية، خاصة مع التطور التكنولوجيا الإنتاجية والتي لم تعد بحاجة للعمالة المتخصصة في كل المهمة.
وبالتالي أصبحت مبادئ الإدارة العملية، وصار لابد للمنظمات التركيز على تحقيق التوازن بين حاجات الموظفين ومتطلبات العمل بسبب زيادة الوعي لدى الموظفين واهتمامهم بحياتهم و أهدافهم وطموحاتهم جنب لجنب مع تحقيق أهداف المنظمة.
لم يعد الموظف يهتم بالعائد المادي فقط من وظيفته المتمثل في الراتب الشهري الذي يحصل عليه، وإنما ارتفع مستوى توقعاته لتتعلق بمعنى وقيمة العمل الذي يقوم به.
وبالتالي بدأت المنظمات بالإهتمام بتصميم الوظائف بطريقة أكثر تعقيداً لتتدرج بين التناوب الوظيفي يليها التوسع الوظيفي ثم الإثراء الوظيفي.
فما هي هذه الدراجات التي يشملها تصميم الوظائف:
أولاً: التناوب الوظيفي
يقصد بالتناوب الوظيفي إنتقال الموظف من وظيفة إلى وظيفة أخرى ليقضي فيها فترة محددة، يؤدي فيها عملاً مخالفاً بعض الشيء أو مشابه لعمله الأصلي.
بمعنى إنتقال الموظف من إدارة أو قسم معين كان يعمل فيه بعض المهام إلى إدارة أو قسم أخر سيؤدي فيه نفس المهام أو مهام مختلفة إلى حد ما، وبالتالي الإنتقال قد يكون مكاني فقط أو مكاني ووظيفي.
فوائد التناوب الوظيفي
قد تلجأ الإدارة للتناوب الوظيفي لعدة أسباب أهمها مايلي:
- محاولة لكسر حالة الملل التي قد تصيب الموظفين نتيجة تكرار العمل بشكل يومي وروتيني، لأن إصابة الموظف بالملل الروتيني قد يضعف من إنتاجية الموظف ويزيد من حالات الغياب.
- قد يكون هناك عجز في أعداد الموظفين إحدى الإدارات وزيادة في الإدارات الأخرى، فيتم سد هذا العجز بأسلوب التناوب.
- لتدريب وتطوير الموظفين بحيث تتعدد مهاراته ويكون قادر على أداء مهام متنوعة ويكتسب قدرة على تحمل مسؤوليات من نوع مختلفة عن ما تعود عليه.
- قد يكون أسلوب التناوب الوظيفي أحد الوسائل التي تلجأ إليها الإدارة لحل بعض أنواع النزاعات بين الموظفين بنقل أحدهم إلى إدارة أخرى
- وقد يتم بناء على حرية الموظف الشخصية بتقرير نوعية الأعباء الوظيفية التي يفضلها ويميل لاكتساب مهارات وخبرات فيها، فيطلب إنتقاله من إدارة إلى أخرى.
عيوب التناوب الوظيفي
بالرغم من فوائد ومميزات التناوب الوظيفي إلا أن له بعض العيوب:
- إن التناوب الوظيفي هو إنتقال مؤقت من وظيفة إلى أخرى ثم يعود الموظف إلى وظيفته الأصلية مرة أخرى وبالتالي قد لا يعتبر التناوب الوظيفي حل نهائي لجذور المشكلة وإنما حل مؤقت لها.
- قد تكون الوظيفة التي ينتقل إليها الموظف تتصف بالروتين والملل أيضاً وبالتالي لا يتحقق المغزى من التناوب.
- قد لا يكون هناك أي تطور لقدرات الموظف أو اكتساب مهارة جديدة، وبالتالي لا يحدث أي تغيير في أداء الموظف.
وبالتالي لتجنب هذه العيوب تلجأ الإدارة لأسلوب أخرى ودرجة تعقيد أعلى في تصميم الوظائف وهو التوسع الوظيفي.
ثانياً: التوسع الوظيفي
يقصد بالتوسع الوظيفي زيادة عدد المهام التي يقوم بها الموظف، من خلال إضافة أعباء جديدة لوظيفته أو زيادة درجة صعوبتها على المستوى الأفقي أي في نفس المستوى الإداري الذي يعمل فيه.
وهذا يمنح الموظف فرصة لتوسيع المجال المعرفي في نفس الوظيفة التي يقوم بها مما يكسبه خبرات متعمقة في المهام التي يقوم بها، ويلم بأغلب المهارات التي تميزه عن غيره ممن يعمل في نفس المجال، وهذا قد يجعله مستشاراً لمجاله مستقبلاً.
ثالثاً: الإثراء الوظيفي
يعتبر هيرزبرج هو المؤسس لنظرية الإثراء الوظيفي التي تدور حول تصميم الوظيفي بحيث تتضمن عدة أبعاد تعطي معنى وتنوع لها والهدف منها هو تحسين جودة حياة العمل، وهذه الأبعاد هي:
- تنوع المهام
ويتم تنويع مهام الوظيفة بحيث تشمل التوسع الأفقي والتوسع الرأسي.
التوسع الأفقي يهتم بإضافة عدد المهام والأنشطة الخاصة بالوظيفة وزيادة درجة الصعوبتها.
أما التوسع الرأسي هو زيادة نوعية الأنشطة التي يؤديها الموظف، وزيادة مسئولياته. - أهمية المهام
يتم إضافة معنى للمهام التي يقوم بها الموظف بحيث يتم إضافة نوع من التحدي الذي يجب أن يجتازه وكما عليه أن يتحمل مسئولية النتائج التي يتوصل لها - الإستقلالية
الاستقلالية تعني هنا إعطاء الموظف نوع من الحرية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمهام التي يقوم بها، والتخطيط والتنظيم والتنسيق لها بحسب ما يراه مناسباً. - التغذية المرتدة
تقييم عمل الموظف وتوفير المعلومات عن مدى تقدمه في العمل وتحقيقه للأهداف، كما يجب توفير المعلومات اللازمة لتحسين عمله و كل ما يلزم لتنفيذ المهام .
فوائد الإثراء الوظيفي
- زيادة الرضا الوظيفي للموظفين
- الشعور بدافع حقيقي داخلي للعمل والتحفيز الذاتي له.
- تقليل معدلات الغياب ودوران العمل
- مستوى عال من الجودة والأداء
في الأخير، فإن تصميم الوظائف أصبح يأخذ أشكال عدة ومع ظهور الأزمات الحالية لانتشار فيروس كورونا ولجوء المنظمات للعمل عن بعد، فهذا يوحي بظهور تصميم جديد للوظائف يتناسب مع العمل من المنزل باستخدام التكنولوجيا.