You are currently viewing من التغذية الراجعة إلى التغذية التطويرية : مستقبل التحسين المستمر

من التغذية الراجعة إلى التغذية التطويرية : مستقبل التحسين المستمر

في عالمنا المتسارع، بات التحسين المستمر ضرورة حتمية. نسعى جميعًا، سواء في العمل أو الدراسة أو على الصعيد الشخصي، إلى التعلم والنمو. لطالما اعتبرت التغذية الراجعة أداة أساسية للتحسين، إلا أن نهجًا أكثر تقدمية يُسمى “التغذية التطويرية” يكتسب شعبية متزايدة، وذلك لمزاياه الكبيرة.

تتميز التغذية الراجعة، على الرغم من قيمتها، بتركيزها على الماضي. فهي تعمل بمثابة مرآة تعكس ما تم إنجازه، وتحدد نقاط القوة والضعف. ولئن كانت تُسلط الضوء على مجالات التحسين وهو أمرًا ضروريًا، إلا أنها قد تُشعِر المتلقي بالحاجة للدفاع عن نفسه أو الشعور بالحكم عليه. علاوة على ذلك، قد يُعيق التركيز على الماضي فقط عملية التطوير، ويحد من الرؤية المستقبلية للأداء.

تُقدم “التغذية التطويرية” بديلًا أكثر تركيزًا على المستقبل، فهي تركز على توجيه الفرد نحو أهدافه، وتُقدم الدعم اللازم لتحقيقها، وتُشجّع هذه الطريقة على التعلم الذاتي والمسؤولية، وتُساعد على خلق بيئة إيجابية للنمو.

ما الفرق بين التغذية الراجعة إلى التغذية التطويرية؟

هناك نقاط أساسية تشكل الفروق الأساسية بين أسلوب التغذية الراجعة وأسلوب التغذية التطويرية:

التركيز: تركز التغذية الراجعة على الأداء السابق (الأداء الجيد والأداء الذي يحتاج إلى تحسين)، بينما تركز التغذية التطويرية على المستقبل وكيفية التطور والتقدم.

المحتوى: تقيّم التغذية الراجعة العمل السابق، بينما تقدم التغذية التطويرية رؤى حول كيفية التحسين في المستقبل.

الهدف: تصف التغذية الراجعة ما حدث، بينما تقدم التغذية التطويرية أفكارًا حول كيفية تطوير الأداء.

التقديم: يقوم المقيّم (الشخص الذي يقدم التعليقات) بمعظم العمل في جلسة التغذية الراجعة، بينما يقوم المُقَيَم (الشخص الذي يتلقى التعليقات) بمعظم العمل في جلسة التغذية التطويرية.

التأثير: قد تركز التغذية الراجعة على الأخطاء مما قد يُشعر الشخص بالحاجة للدفاع عن نفسه، بينما تسأل التغذية التطويرية أسئلة مثل “ماذا ستفعل بشكل مختلف في المرة القادمة؟” والتي تبقي التركيز على المهمة وليس على الشخص.

النتيجة:  قد تستغرق التغذية الراجعة وقتًا أطول، بينما التغذية التطويرية أكثر فعالية من حيث استثمار الوقت، قد يشعر الشخص بالحكم عليه في التغذية الراجعة، بينما تحفز التغذية التطويرية الشخص على التركيز على خلق استراتيجية أداء أفضل.

أثر التغذية التطويرية في تحقيق نتائج تحفيزية مستدامة

تمثل التغذية التطويرية نهجًا جديدًا لتحسين الأداء، حيث تركز على المستقبل بدلاً من الماضي، فبدلاً من الاكتفاء بما تم إنجازه، تسعى التغذية التطويرية إلى تطوير الأداء في المستقبل، حيث تسأل التغذية التطويرية: “ماذا يمكننا أن نفعل بشكل مختلف في المرة القادمة؟” هذا التحول البسيط في التركيز يشجع على بيئة عمل إيجابية وتركز على حل المشكلات.

وهذا ما يجعل التغذية التطويرية تتميز بالعديد من المزايا لتكون عملية لها أثر مستدام، من هذا المزايا:

  • موجهه نحو المستقبل: تركز التغذية التطويرية على الهدف وهو التقدم إلى الأمام. من خلال استراتيجيات العصف الذهني للنجاح المستقبلي، بحيث تعزز الشعور بالمسؤولية وتمكِّن الأفراد من التحكم في تطويرهم المستقبلي.
  • عملية:  لا تحدد التغذية التقدمية المشكلات فحسب، بل تقدم أدوات عملية ملموسة للتحسين، مثل تحديد الأهداف الصغيرة، وتقييم الأداء، وتقديم الملاحظات البناءة.
  • تحفيزية: تُشجع الأفراد على إطلاق إمكاناتهم الكامنة من خلال التركيز على النمو والتطور المستمر، وعدم الشعور بالذنب لما حدث في الماضي.
  • تعاونية:  جلسات التغذية التطويرية الفعالة هي طريق ذو اتجاهين. يطرح المقيّم الأسئلة، مما يشجع المتلقي على تحديد نقاط قوته ومجالات تطويره الخاصة، بما يشجع على تبادل الأفكار والآراء.

كيف تطبق التغذية التطويرية؟

كما رأينا فإن التغذية التطويرية هي عملية تقديم ملاحظات بناءة وشاملة بهدف تحفيز الفرد على تطوير مهاراته وقدراته للمستقبل، تتم من خلال تبادل المعلومات بين المقيم أو المدير والموظف بهدف تحسين الأداء.

يمكن دمج التغذية التطويرية بسهولة في أسلوب التقييم الخاص بك من خلال اتباع بعض النصائح البسيطة التالية. مثلا: عند تقييم أداء أحد الموظفين في تقييمه لعرض تقديمي لمنتج جديد يمكن التركيز على النقاط التالية:  

التركيز على الأهداف

صياغة المناقشات حول نتائج المستقبل المرجوة، بدلاً من قول “كان من الممكن أن يكون العرض التقديمي أكثر تنظيماً“، اسأل، “كيف يمكننا جعل عرضك التقديمي القادم أكثر تأثيرًا؟

طرح الأسئلة

شجع المتلقي على التفكير في نقاط قوته وكيف يمكنه تطويرها من خلال طرح أسئلة تدفعه للتفكير وابتكار الحلول. على سبيل المثال، “ما الذي تعتقد أنه كان أكثر فاعلية في عرضك التقديمي؟” أو “ما هي الأمور التي يمكنك القيام بها بشكل مختلف في المرة القادمة لتحسين إيصال رسالتك؟

تقديم الموارد

توفير موارد أو فرص إضافية لتطوير المهارات لدعم أهدافهم. على سبيل المثال، “قد تجد هذه المقالة حول مهارات العرض التقديمي مفيدة” أو “هل ترغب في المشاركة في ورشة عمل حول التواصل الفعال؟

يمكن تقديم دورات تدريبية عبر الإنترنت، كتب، مقاطع فيديو تعليمية، أو حتى توصية بزميل لديه خبرة في هذا المجال للمساعدة.

التركيز على نقاط القوة

بدلاً من التركيز فقط على المجالات التي تحتاج إلى تحسين، ابحث عن فرص للثناء على نقاط قوة المتلقي. سيساعد ذلك على بناء الثقة وتحفيزه على الاستمرار في التعلم والنمو.

جعل الأمر تعاونياً

التغذية التطويري ليست جلسة لتقديم النصائح، إنها محادثة ثنائية الاتجاه، تعتمد على تشجيع المتلقي على مشاركة أفكاره وخبراته.

الممارسة

كلما زاد استخدامك للتغذية التطويرية، زادت سهولة ذلك. ابدأ بتجربتها في مواقف صغيرة، مثل تقديم ملاحظات لزميل في العمل أو صديق. مع مرور الوقت، ستجد أنه من السهل دمجها في جميع جوانب حياتك.

الخلاصة

التغذية التطويرية هي أداة أساسية لبناء علاقات عمل قوية وتحفيز التغيير الإيجابي، من خلال التركيز على المستقبل، ونقاط القوة، والتعاون، يمكننا خلق بيئة عمل أكثر إيجابية وإنتاجية.

هذه الفلسفة، التي ترتكز على النمو المستمر وتبادل الاحترام، تغير طريقة تفكيرنا في التعلم والتطوير، من خلال تطبيق التغذية التطويرية، يمكنك زيادة الرضا الوظيفي، وتحسين الأداء، والمساهمة في نجاح فريقك.

هل أنت مستعد لتجربة هذا النهج المبتكر؟

ابدأ بتجربة التغذية التطويرية في فريقك اليوم!

د. سناء عمر عبد الجبار

دكتوراه في إدارة الموارد البشرية، محاضرة ومدربة دولية معتمدة، خبرة أكثر من 15 عامًا في مجال التعلم والتطوير شغوفه بتطوير المواهب وعضو في جمعية تطوير المواهب ATD

اترك رد